Categories
My Impressions إنطباعاتى

السور الحديدى

فى يوم ما سمعت صوتا ، أثناء تمشيتى اليومية، يسألنى إن كان بإمكانه مشاركتى فى “المشى”. طلبت منى أن أنتظرها بضع دقائق لتستعد. كانت هى المرة الأولى التى أتعرف على جارتى الأمريكية من أصول إفريقية بعد مايزيد عن عام من إقامتى فى هذا البيت، والذى يفصل بيننا سور صغير.

فالناس هنا تميل كثيرا إلى الإحتفاظ بخصوصيتها. تتوخى الحذر. يزداد الحرص إذا كان الجيران من أصول عربية!!

مشينا. تعرفنا على بعضنا البعض. عرفت أنها تعمل فى إحدى القواعد العسكرية فى المدينة المجاورة. تذهب الى عملها مع زوجها فى الخامسة فجرا. تعود إلى بيتها فيما بعد الخامسة مساءا. طوال الأسبوع لاألمحها أبدا. يصلنى فقط ضوء بيتها الذى ينذر بأن هناك بشرا يعيشون فى البيت، ونباح كلبها الصغير فى الحديقة.

كانت تعمل منذ سن السادسة عشر، شأنها شأن معظم الأمريكيين. تعرف قيمة الوقت. قيمة “القرش”. تدخر لتدفع مصروفات الجامعة. التعليم مجانى فقط حتى المرحلة الثانوية.

توطدت علاقتتنا. نتبادل الأحاديث فيما بين السور الذى يفصل بينا. مسلية ، ذكية، نشيطة، ديناميكيكة، صريحة إلى حد أن تجرحك أو تفاجئك صراحتها. على دراية واسعة بكل مايحدث فى المدينة. لاتعرف الكثير عن الشرق الأوسط ومشاكله، مثل الكثيرين الذين يتميزون بأنهم local not global. قامت من تلقاء ذاتها بزيارتى بعض الأحيان. لم تدعونى قط إلى بيتها.

أخبرها بسفرنا إلى مصر. تطمأنى أن البيت فى آمان. عند عودتنا، أحرص على أن أحضر لها بعض الهدايا.. تمطرنى بكل أخبار المدينة التى حدثت أثناء غيابى.

جمعنا إختلافنا، إحتياجنا إلى بعض التغيير. أمرأتان من عالمين متباينين. تبحث كل منهما على مكان تحت الشمس.. هى من ثقافة غربية، واقعية، عملية وأنا من ثقافة شرقية لازالت تؤرخ “للجدعنة” ولاتحبذ التغيير.

الأسبوع الماضى، رأيت حركة غريبة فى بيت جارتى. وجدتها تنقل أثاثا من البيت.. سألتها إن كانت تنوى أن تنتقل إلى مكان آخر. قالت انها فقط ستعيش بعض الوقت بجوار أسرتها فى المدينة القريبة من عملها. ستعود من حين إلى حين للإقامة فى بيتها.

غابت جارتى الأمريكية. لاتأتى إلى البيت إلا لأخذ المزيد من “العفش”. أظلم بيتها المجاور لى. أصبحت أضيق ذرعا بأن أراه شبه مهجور.

شعرت بحزن شديد. لاأدرى مصدره!! كحزن طفلة تركتها أمها أول مرة بمفردها فى البيت!!. تعجبت من حزنى لفراقها الذى يلازمنى حتى كتابة هذه السطور! . فهى جارة تعمل طوال الوقت. لم أكن أراها إلا قليلا، فى عطلة نهاية الأسبوع أحيانا. لماذا فرق معى فراقها إلى هذا الحد!!

حضرت مؤخرا، إلتقينا عند السور الذى يفصل بيننا. قلت لها أنى حزينة جدا لفراقها. تكاد تسقط الدموع من عينى. أشعر بوحدة فظيعة وقطيعة.

تفهمت كلامى وتعاطفت معى، لكنها لايمكن أن تكون شعرت بما أشعر. فهى تنتنقل إلى بيت جديد، بالقرب من عائلتها، ليس بعيدا عن عملها. تشعر بالإثارة. تزغرد الفرحة داخلها. بينما أنا بعيدة عن وطنى عشرات الألاف من الأميال. قلبى يتبعثر بين عدة قارات!!

أتصور أن سبب هذا الشعور الفضيع بالوحدة والحزن يرجع إلى كورونا وتبعات كورونا. فرغم أنه قيل أن كورونا وحدت الناس، إلا أنها أيضا خلقت نوعا من الأنانية والتباعد بين الأخرين. أخذ كل فرد يخشى على نفسه وعلى أسرته فقط. أصبحت الناس لاتميل إلى الحديث أو المشاركة. يشعرالكثيرون بالتوجس، وتوقع الخطر فى أى وقت.

فكرت أن أحضر إلى مصر فى أجازة. هاتفت أحد أقربائى برغبتى، أسأله عن أحوال مصر. قال لى صراحة “لاتتوقعى أن تكون أجازتك هذا العام مثل أى أجازة سابقة. الكل متوجس ويغلق أبوابه على نفسه”.
.قلت يارب.. ضاقت على الأرض، هل أصعد إذن إلى السماء!!

ترى لماذا السور حديدى.. هل لأننا من عالمين مختلفين صعب التغيير كالحديد!!

By Somaya Zakaria

An Egyptian American citizen. A woman who started a new chapter of her life in her middle age by moving to US. A person who left her comfortable zone to a busy and different kind of life. A wife, mother, grandmother and a writer who wears different hats and enjoys her roles in life. Souma