Categories
My Impressions إنطباعاتى

ميس ش

منذ إقامتى فى هذا المنزل والتى تجاوزت خمسة أعوام، لم أتبادل سوى بضع كلمات مع جارتى ، ميس (ش).

أمريكية من أصول أوروبية. مكتظة الجسم.. ترتدى دائما الملابس الأمريكية الصيفية من شورت أو فساتين قصيرة.. مفتوحة. تخطت الخامسة والستين أو يزيد.

دائمة الجلوس فى مدخل منزلها. تدخن سيجارتها. تمسك بتليفونها المحمول. لاتبادل التحيات أو السلام مع أحد من الجيران.

أحيانا ميس “ش” تمتطى عربة “قطع” الزرع وتقوم بقص زرع حديقتها. فى هذا الصيف لمحتها تقوم بطلاء باب الجراج.

عندما يشتد الصيف، تلقى بجسدها فى “حمام سباحة” بيتها. أحيانا تأتى إبنتها وطفلتيها الرائعتين مابين سن الثالثة والخامسة . ينزلون جميعهم فى المغطس.. تصلنى ضحكاتهم الصغيرة، كلماتهم، وهمهاتهم. ماأجمل العائلة!! ماأحلاها صحبة.

المرة الوحيدة التى تحدثت فيها مع “ميس ش”عندما سألتها عن أفضل مبيد حشرى للتخلص من الحشائش الزائدة فى الحديقة. وكنت أحاول أن أفتح معها حوارا. ساعدتنى وإنتهى.

يختلف عنها صديقها تماما. دائم الكلام مع الجميع. حكى لى عن لحظة إغتيال السادات. يهوى التاريخ. كثير العمل فى زراعة حديقة منزلهم. قص الزرع.

فى يوم ما وجدت “كيسا” كبيرا مملؤا بالخضروات الطازجة، فاصوليا خضراء، كوسة، فلفل رومى وخيار. تعجبت من الذى وضعه على عتبة الباب دون إشارة إلى هويته!!.. بعد محاولات، عرفت أنها جارتى الصامتة مييس “ش”. باكورة إنتاج حديقتها. قامت بوضع مثل هذه “الأكياس” إلى الجيران الأخرين. إنها طبيعة البشر تختلف من شخص لأخر.. فهى تبدو ليست ودودة أو إجتماعية.. لكنها على قدر من الكرم والذوق. تمنيت لو أستطيع أن أشكرها لكنها تفضل الا تتحدث مع أحد. بلغت صديقها بشكرنا.

منذ فترة لاحظت غياب سيارة جارتى ميس “ش”. هى دائمة ملازمة للبيت. نخرج جميعا.. ونعود لنجدها جالسة فى مدخل منزلها.

قلت ربما تراعى حفيدتيها لكن غيابها طال. إختفت سيارتها بالساعات. بعدها علمت أنها عادت إلى العمل. نعم عادت إلى العمل كممرضة فى إحدى المستشفيات التى تبعد عنا حوالى الساعتين بالسيارة. تخرج بسيارتها حوالى الرابعة عصرا لتعود فى اليوم التالى فى الثامنة صباحا. كل يوم ماعدا عطلة نهاية الأسبوع. تعمل ممرضة فى زمن كورونا!! لماذا.!! سؤال وجهته لنفسى!! لماذا!!!

ماالذى يدفع إمرأة ستينية أو ربما سبعينية أن تذهب للعمل فى هذه الظروف! تختلط بمرضى فى زمن الأوبئة!! مالذى يزج بها إلى القيادة فى هذا الجو الممطر العاصف الذى يجتاح مدينتى لايفرق بين صيف أو شتاء!! مالذى يجعلها تترك منطقتها الهادئة المريحة comfort zone، حمام السباحة، الحفيدات لتقتل نفسها فى هذا العمل المضنى الشاق!!. بالتأكيد ليس بسبب “الفلوس”!! هل بسبب الملل!! ربما. هل فراغ!! يجوز. هل العائد المادى مغريا إلى حد عدم الرفض!. لاأعلم.

لكنه عشق الحياة Passion . العشق الذى يجعلك تتمسك بحقك فى أنك لازلت قادرا على العطاء. “أن لك لزمة” دورك لم ينته. الفرق بين الدول الكبرى والدول النامية. الدول التى لديها من المشكلات من طلاق، إدمان تشرد أطفال لكن شعبها يرتدى أحسن ماعنده..يبدأ يومه ويعمل، بينما الأخرى تتعلل بالظروف. بلدان تضع سياجا حول شجرة إذا ما رأتها قد تسقط.. أخرى “تجز” أشجارها بلا رحمة. قدرة هذا الشعب على البدء فى منتصف الطريق. آخره. أوحتى تغيير المسار دون أن ينتبه لدواعى العمر.

ربما تعمل جارتى حتى عملا تطوعيا كى تشعر بقيمتها. بخبرتها تستطيع أن تساعد. تقدم.شيئا. تفيد أحدا. تداوى مريضا أو تشفى عليلا.

بغياب ميس “ش” معظم الوقت، وإنتقال جارتى المجاورة إلى مسكن آخر، أصبح المربع الذى أعيش فيه شبه مهجور. إزداد شعورى بالوحدة. تملكتنى الكآبة. تعمقعت داخلى فجوة الإغتراب. فقررت أن….

إلى لقاء آخر.

By Somaya Zakaria

An Egyptian American citizen. A woman who started a new chapter of her life in her middle age by moving to US. A person who left her comfortable zone to a busy and different kind of life. A wife, mother, grandmother and a writer who wears different hats and enjoys her roles in life. Souma