وفاة الرئيس مبارك
إحترت فى فهم مشاعرى تجاه وفاة الرئيس السابق وكما يقال عنه “الرئيس المخلوع” حسنى مبارك. تناقلت الأخبار هنا فى أمريكا خبر وفاته بهذا العنوان “وفاة الرئيس المخلوع أو رحيل الطاغية المخلوع مبارك”.
تباينت التصريحات والتعليقات حول وفاته.. البعض قال رئيس مخلوع.. قام شعبه بثورة ضده.. يكرم. فى جنازة عسكرية. الأخر قال.. ريئيس منتخب يدفن فى السر. شعب يعانى من إنقسام فى الشخصية!! رئيس جلب له الهزيمة المنكرة والعار تخرج الملايين تبكيه.. وتلطم خدودها لوفاته. بطل حرب وسلام يغتال وسط جنوده وفى يوم عيده!!
رغما عنى شعرت بالحزن لرحيله.. تعجبت أنا الأخرى من مشاعرى!! فهو الرجل الذى هتفنا بسقوطه. الرجل الذى طلبنا برحيله.. الشعارات التى قالت “مش حانطاطى.. مش حانطاطى.. إحنا كرهنا الصوت الواطى”.
الثورة.. الشباب “الذى دفع حياته، ورد الجناين، الخوف الذى عاشرناه حالة التخبط والهلع التى مرت بنا. لكنه ترك حكمه حقنا للدماء!! لم يهرب. جلس فى قفص الأتهام!!
التاريخ وحده سيحكم على الرجل.. هو فى ذمة الله بين يدى رب كريم يستوى الفقير والغنى، الطاغية والعادل.
ثلاثون عام بدأت بحكم مبارك.. وبداية سنوات شبابى. عشت لحظات إغتيال الرئيس الراحل السادات. سنوات علو مبارك الحكم. النجاح.. الأمال العريضة مع حكمه. أحلام كل من كان فى جيلى. جيل بدأ بأحلام وشعارات عن القومية العربية وأمة من المحيط إلى الخليج. إلى إنكسار الأمل وضياع الروح فى هزيمة منكرة. يدفع ثمنها حتى الأن. جيلى، جيل أولأدى وربما أحفادى. عار لحق بنا..دنس علق بثيابنا لم نغتسل منه بعد!!
تزامن حكم مبارك مع جلسات عمل ، إجتماعات مطولة فى المعونة الأمريكية – فترة عملى الطويلة هناك. توصيات من البنك الدولى برفع الدعم، بجعله يصل إلى مستحقيه. تحرير سعر الصرف.. إطلاق يد القطاع الخاص.. عدم تقييد الحريات، السماح بحرية الصحافة، تهيئة المناخ لعمل الجمعيات الأهلية.الإصلاح الإقتصادى.
وافق مبارك على بعض الإصلاحات. رفض بشدة رفع الدعم.. لم يسمح بالمساس برغيف العيش. هذا المفهوم البراق جعل الناس تعتمد تماما على “ماما الحكومة”. خلق فينا نزعة الكسل. تم ثراء الكثيرين، تفحلت المحسوبية والرشاوى. لم يرق التعليم فى مصر كما يجب أن تكون.. تدهورت الرعاية الصحية، العماد الأساسى لأى تنمية مستدامة.
كثير من الأمور تحسب للرئيس مبارك..والكثير منها تحسب ضده. ثلاثون عام بدون حروب.. كان يجب لمصر أن تكون فى مصاف الدول الكبرى مثل ماليزيا .. لكننا لازلنا محلك سر. نشكو رداة التعليم..سوء الصحة.. غياب الوعى.. ضياع الديمقراطية.. وأخيرا تفشى سوء الأخلاق.
إذا كان هو الحال.. لماذا أشعر ببعض الحزن لوفاة الرئيس مبارك!! نحن شعب عاطفى، وأنا واحدة من هذا الشعب!! شعب ربما يؤمن بالمثل القائل “اللى راح المقبرة.. بقى زى السكرة”!! ولماذا أيضا أشعر ببعض المرارة من كل مايحدث. لأنى فى قرارة نفسى كنت أحلم وأعيش حلمى كشابة مثل بقية المصريين. أرى إننا بدأنا طريقا تصورت أنه الأفضل. لكن تبين أننى أعيش واقعى.. أعيش التقدم فى العمر بأننا لازلنا كما كنا.. لازلنا تقريبا كما نحن منذ أكثر من ثلاثين عاما!!