الطفل هو الملك
الجزء الرابع
طويلة. شابة. نحيفة. أم لطفلتين جميلتين بالمدرسة. تعانى من قصور فى السمع. تضع سماعة أذن صغيرة. إعتدت رؤيتها فى أنحاء متفرقة فى المدرسة. ليست معلمة، لكنها تقوم بخدمات تطوعية. أى خدمات. فى غرفة الموسيقى، فى ساحة الرياضة، فى الكافتيريا. متواجدة معظم الوقت.
بحكم عملى شبه الدائم فى هذه المدرسة الثانوى، إعتدنا على الكلام واللقاءات.
فى غرفة المعلمات، وقت الراحة أجدها أحيانا. تعرض على أن نشرب قهوة معا، أو إذا كنت أريد طعاما للغداء من الخارج. فهى ستصطحب بعض التلاميذ إلى المحل المجاور لشراء طعام الغداء – بعد موافقة المدرس!!
تعجبت من كم العمل الذى تقدمه للمدرسة بلا مقابل. تعجبت هى أنى من مصر. بعيده تماما عن الوطن والأهل.
توطدت علاقاتنا وسألتها لماذا لاتجد عملا ثابتا فى المدرسة طالما هى متواجدة طوال الوقت تطوعا. قالت أنها تريد أن تكون قريبة من بناتها، أن تساعدهم. تكون حرة ولاتتقيد بعمل ثابت ومواعيد ثابتة.
اضافت لاأريد لبناتى أن يعشن مثلما عشت. فأنا فتاة “Foster”عشت فى كنف أسرة بديلة عندما كنت فى الخامسة من عمرى. تعرضت للتحرش من قبل إبن صديق أمى. شكوت لأمى لكنها لم تعر الأمر إهتماما. كانت غارقة حتى الثمالة فى الخمر وحبها الصارخ لصديقها.
فى يوم ما ذهبت إلى المدرسة وجسدى ملئ بالبروز والكدمات دفاعا عن نفسى من هذا الشاب المستهتر. وضعت رأسى على المكتب ونمت. لاحظت المدرسة مابى. خشيت أن أقول لها، لكنها إصطحبتنى إلى المسئولة فى المدرسة.
قامت الإخصائية بزيارة بيتى. علمت أنى أعيش مع أمى وصديقها وثلاثة من أبناء الصديق كلهم فى عمر المراهقة.
عشت فى كنف أسرة جديدة ، فضلت لى أن أبتعد عن زيارة أمى، التى لم تهتم كثيرا لأمرى أو رؤيتى.
أحببت أسرتى الجديدة التى أنجبت طفلة وأصبح لدى أخت صغيرة. عشت حياتى وتزوجت وأنجبت البنتين. أتساءل أحيانا ماذا سيكون مصيرى لو لم أنتقل فى كفالة هذه الأسرة الجميلة!!.
كنت أعرف دائما أن لى أما أخرى. وأنى فتاة Foster. عندما كبرت، ذهبت لزيارة أمى الأصلية. كانت إمرأة متهالكة فى الأربعينيات وتبدو فى السبعينيات. لاتزال غارقة فيما هى فيه. كان لقاءا باردا. أصابنى بالحزن والأسى. قررت ألا أذهب ثانية، . ربما يكون لى أخوة وأخوات فى مكان ما..لاأعرف عنهم.. لايعرفون عنى… ربما!!
فضلت أن أبتعد إلى الأبد. لايعرف بناتى سوى جدتهم التى قامت على تربيتى. أغدقت على كل الحب مثل إبنتها التى أنجبتها. عشت حياة صحية أحمد الله عليها.
لاأريد لفتياتى أن يعشن مثل تجربتى. أشارت إلى سماعة الأذن التى تضعها. قالت أنها أصيبت ببعض الصمم نتيجة مقاومتها للشاب الذى إنهال ضربا عليها.
يالها من طفولة!! يالها من تجربة!! كلماتها كانت ترعبنى.. كلما تصورت طفلة صغيرة جميلة تعيش مثل هذا الألم النفسى والجسدى. تخشى أن تذهب إلى فراشها. بدلا أن تجد حضنا دافئا..قلبا حانيا، تعيش تجربة أنامل شرسة تعبث بجسدها الصغير. تذهب إلى فصلها فى اليوم التالى وجسدها يعلن عصيانه.. ويشى بكل الألم!!
تعجبت كيف يحكى الناس هنا عن حياتهم..ماضيهم..تاريخهم وحتى ظلمات حياتهم بلا خجل ولامواربة!!. كيف إمتلكت هى هذه الشجاعة لتحكى لأمرأة مثلى.. تأتى من عالم آخر كل هذا التاريخ الأسود الذين يدين الكثيرين وينصف الكثيرين.
إجترار الماضى والحديث عنه شئ مؤلم وقاسى، فمابال لو كان بمثل هذه البشاعة. تظل حكايتهم تطاردنى. كلماتهم تتبعنى لكى اكتب عنها مهما طال الوقت!