شيخوخة فى أجازة
أتأمل حال أقربائى أو أصدقائى الذين تجاوزوا من العمر أرزله. يبحثون عن موضع قدم فى بيت أولادهم أو بناتهم فلا يجدون.
يرحبون بهم فى الأول عدة أيام.، ثم تتغير الأمور. يصبح الإنسان عبئا ثقيلا.. لايحتمل. فيجر نفسه متباطأ.. متكاسلا.. متمنيا أن يمنعه سكان البيت من المغادرة.. لكن هيهات.. هيهات!.
فى أحيان كثيرة يطلب منه/منها صراحة أن تترك المكان. “ويابخت من زار وخفف. الواحد مش مستحمل نفسه.. بيقول لنفسه إمتى العيال تكبر عشان أخلص من حملهم..حاجيب حد ثانى زيادة. البيوت صغيرة.. والعيشة صعبة. زوج الإبنة سخيف وزوجة الإبنة متسلطة. والمركب لازم تمشى، كلماتنا المأثوره ومفاهيمنا العامة التى نعيش بها!!
أتكلم عن كبار السن من منظورى أنا، . إمرأة يتقدم بها العمر.. ويزحف بها الزمن. عاجلا أم آجلا ستنضم إلى فريق العواجير. متعاطفة معهم! أحاول فى ذات الوقت أتفهم وجهة نظر أولادهم وبناتهم من هذا الجيل.
تحملنا أولادنا.. وقدمنا لهم كل حب ورعاية وصبر وتضحية، دون حتى إنتظار لكلمة شكرأو تقدير. فلماذا لايتحملوننا.. ويتأففون من طلبتنا.. ويشعرون بأننا عبئا ثقيلا.. عليهم التخلص منه بعد حين.
لاأذكرأننى قمت بهذا الواجب الإنسانى العبقرى “لحماتى” مثلا.. رغم طيبتها.. ورقتها ووداعتها وسماحتها..وخفتها. تعللت بطول ساعات العمل وتعدد أعبائى. قامت بهذا العمل الإنسانى البطولى نيابة عنا جميعا نسيبتى الرائعة. بارك الله فى عمرها وأثابها الله خيرا عما قدمته وفعلته.
أما أمى -رحمها الله- كانت تأتى كثيرا لزيارتى، تقوم بكل إعباء البيت..يفرح زوجى وإبنى لوجودها حيث الطعام الكافى الطازج على المائدة وكل شئ يسير فى سهولة. تقرر هى متى تتركنا وتقول قولتها الشهيرة “أفك وإنتم تفكوا”!! نجلس فى إنتظار عودتها وأولهم “جضرتى”.
يختلف الحال فى أمريكا.. فغالبا الأسر تشجع أولادها عند سن الثمانية عشر للإنفصال عن الأسرة..والعيش خارج المنزل ، ليشق الطريق بعمله وعلمه وتجارب يتعلم منها. فيتعلم الطرفان الأسرة والإبن الإستقلال والعيش بحرية دون شعور بدين يجب أن يسترد.
يعيش كبار السن فى بيوت المسنين أو فى بيوتهم.. يأتى أولادهم من حين لأخر للإطمئنان عليهم، زيارتهم أو أصطحابهم فى رحلات موسمية تجتمع فيها الأسرة جميعا. البعض منهم يقوم بسد بعض النفقات. مفهوم ومعنى الجد والجدة يحظى بإحترام وحب بين الأجيال المتعاقبة!
يتعلم المسن أن يعيش بمفرده.. ويتأقلم على ذلك.. أما المسنين المرضى يعيشون فى البيوت التى توفر لهم الرعاية الصحية بالقدر المستطاع. لكن بالتأكيد أن تعيش بمفردك – خاصة لو كنت مسنا أو مريضا لايعفيك من مشاعر الوحدة والحزن والأفكار السوداء التى تزورك من حين لأخر مهما كنت تعيش!!.
اليوم.. بعد أن كبرت.. أطلب من شيخوختى أن تأخذ أجازة.. وأدعو الدعوة التى كانت تقولها أحدى صديقاتى..”يارب العمر على أد الصحة..والصحة على أد العمر” بمعنى ألا تمرض..وإذا مرضت ينتهى ألأجل..بلا حاجة إلى فراش..وأدوية ورعاية إبن أو إبنة!!.
كم هن أبطال صديقاتى أو نسيبتى اللاتى تحملن أمهاتهن أو أمهات أزواجهن فى حب.. وصبرلايقدر عليه أى أحد!! جزاهم الله أفضل الجزاء.