الطفل هو الملك
الجزء الثالث
ذهبت إلى الأسرة من أصول مكسيكسة فى بيتها المتواضع. حضرت الإخصائية الإجتماعية. كانت الأم الأصلية مع طفلتها الصغيرة الجميلة الرقيقة ذات الثلاثة أعوام.
طرق على الباب. دخلت سيدة أمريكية من أصول إفريقية ومعها زوجها. إنتفضت البنت من يدى أمها. ألقت بنفسها فى أحضان السيدة القادمة، فى منظر شد إنتباهى!.
“أنا طبعا.. كنت زى الأطرش ف الزفة”!! مش عارفة فى إيه.. ومين دول”!!. الموضوع كان لسة جديد على”!! بس أنا دورى إيه فى القصة دى!! كنت أقوم بعمل متابعة ومراقبة للمترجم الأسبانى shadowing” ” كى أتعلم حرفية المترجم الفورى. أين يقف!. متى يترجم!.. متى يصمت!!
وقفت حائرة هل أراقب!! أتعلم!! أسأل أم أصمت لعلنى أفهم!!.. قامت الإخصائية بوضع الطفل على ميزان لترى هل هى بذات الوزن، أم فقدت أى منه!! أخذت تسأل الأم الحقيقية عن طعام الإفطار الذى تناولته!. الأدوية التى أخذتها الطفلة.. سألتها عن حالة إلتهاب الأذن التى كانت تعانى منها الصغيرة. حددت لها موعدا لزيارة طبيب الأسنان لمتابعة نموأسنانها. تتحدث بالإنجليزية – الحمد لله أنى كنت فاهمة!!. والمترجم يترجم الى الأم الحقيقية بالأسبانية.
الأم تجيب بعفوية. إذا لم تفهم.. تنظر إلى المترجم الذى يعينها على التوضيح. يعلو وجها إبتسامة – أخشى أن أقول بلهاء.
إستغرق الأمر حوالى ساعة. بعدها غادرت الأم الزائرة وزوجها بصحبتهما الطفلة. غادرنا جميعا. خلى البيت.. تألمت للأم الحقيقية. للطفلة وللأم الأخرى. كل يحمل جراحا.
سألت المترجم فور خروجنا عن مغزى مايحدث. علمت أن الطفلة تعيش مع الأسرة الأمريكية إلى أن تلتزم الأسرة المكسيكية بكل ما يجب لتعيش الطفلة حياة مستقرة. فالأم تعانى من قصور ذهنى ما، يجعلها غير قادرة على رعاية إبنتها. والأسرة الأخرى جيران لهم. علموا بأمر الإبنة حيث كانت على وشك أن تفقد حياتها، عندما نامت الأم ونسيتها لساعات طوال.
تكررت زيارتى التعليمية لهذه الأسرة عدة مرات مع تغيير فى بعض المشاهد. مثل أن أجد الأم الأمريكية حضرت مع الطفلة إلى منزل الأم المكسيسكية حيث بدأو يتقاسمون الأيام بدلا أن كانت الطفلة شبه مقيمة مع الأسرة الجديدة.
إنتهت فترة التدريب. علمت أن الصغيرة عادت إلى أمها الحقيقية التى بذلت جهدا فى رعايتها، ووجد والدها عملا ثابتا. توقفت الأسرة البديلة مؤقتا عن الزيارة لحماية الصغيرة نفسيا وعدم تشتت عواطفها.
لكن ماذا عن الأسرة البديلة!! هل ستبكى وتتألم مثل صديقتى لتقطع نياط قلبى!! كم جميل هو الحب!! لكن التعلق هو العذاب بعينه!! حين نتعلق بأحد ثم يبتعد.. تتفتت قلوبنا مثل قطع الزجاج . تتناثر فى أرجاء حياتنا، نحاول أن نلملم شتات أنفسنا!!
ظلت صورة الطفلة ماثلة أمام عينى.. جسمها الضئيل، شعرها البنى الجميل. إبتسامتها الحلوة البريئة.. يتشتت ذهنى أحيانا وأنا أقف أراقب المترجم.. أجدنى أراقبها هى!! أسأل ماذا سيكون حالها عندما تكبر!! هل ستتذكر أمها البديلة!! هل ستحافظ أمها عليها!! تبقيها..تحميها!! هل هى محظوظة لأنها ولدت وعاشت هنا – فى أمريكا!! هل كانت ستجد نفس الرعاية والحب فى وطنها الأصلى!!
لا أعلم.. كل ماأعلمه أنها حتى الأن مع عائلتها الحقيقية. صورتها لازالت عالقة فى ذهنى. قصتها تعيش فى مخيلتى، أكتبها الحين.
قررت بعدها أنى يجب أن أتعلم اللغة الأسبانية. لازالت أحاول.. فى إستماتة!!