إمتدت أناملى تبحث عنه..لم أجده. تذكرت أنه حرمنى وجوده. رفض صحبتى. قمت متململة.. أستعلم الوقت. لازال الوقت مبكرا. اليوم بطئ، .. جدا مع الصمت المطبق حولى.
شعرت بالحزن لفراقه.. أطفأ ضوءه.. تعالى على. لم أعد قادرة على العيش بدونه.
أسبوع كامل.. أسبوع طويل، ممل. طالبت نفسى بالصبر والقدرة على التحمل.. طالبتها بالتعامل.. بالمرونة.. أطالبها دائما بالكثير وأقسو عليها أحيانا.
أسبوع بالكامل أخرج من بيتى. يضيع وقتى. تهدر طاقتى ، أبحث عن حل، عن أحد يساعدنى. أعود يائسة. محبطة.
لم أكن أعرف أنه بهذه الأهمية وهذه القيمة فى حياتى. البدائل ليست مثله. قلت “عمار يامصر” لو كنت ذهبت إلى أى محل “موبايلات” كان فى دقائق فك طلاسم هذه الموبايل العزيز. لو طالته أصابع أولاد أخى الصغار.. لتمكنوا فى لحظات أن يريحونى.. ويقولون لى “عمتو دى حاجة بسيطة”!! يا لا عظمة المصريين وجمالهم!! أما “التناكة” من العاملين فى مجال تصليح الموبايلات هنا..حدث ولاحرج.. سخافة إلى جانب الجهل.
ضائعة هنا. أنتظر تشريف التيلفون الجديد الذى عملت له طلبا من على “النت”. حتى يأتى الزائر الجديد فى وقته.. فى تؤدة. ملل. كيف أعيش وأنا منفصلة عن عالمى. مهما إستعملت “اللاب توب” تظل حبيبى أنت العزيز والأغلى.
أنفصل عن العالم. لاتصلنى رسائل نصية، ولو بالخطأ. لاأسمع رنينا. يارب.. كم أحتاج إلى صبر!! أللا تكفى كورونا، ساعات اليوم الطويلة.. وحيدة. بلا عمل يذكر.. بلا أصدقاء.
لم أكن أعرف إلى هذه الدرجة أصبح الموبايل جزءا هاما وأساسيا فى حياتنا. إن أختفاءه عدة أيام جعلنى أشعر أنى فقدت قريبا.
فى عز يأسى وجدت محلا صغيرا فى “المول” ذهبت إليه. بعد محاولات مستميتةوأيام عدة، أعاد الضوء إلى “موبايلى” ورد إلى الحياة.
أمضيت ثلاثة أيام فى الفراش جثة هامدة. دور برد وألم حاد فى المعدة أفقدنى القدرة على الحركة تماما.
ولأن لايمكن أن أذهب ألى الصيدلية واشترى علبة اوجمانتين – مضاد حيوى 1000 واخد منه. لانه ممنوع. ويجب المضاد الحيوى يصرف بوصفة طبية من الطبيب. فكان لزاما أن اذهب للطبيب لأحصل على الدواء وأخضع للعلاج.
كان لدى دعوة للغداء يوم السبت من هيئة تعمل لتجنب العنف ضد النساء تقديرا لعمل تطوعى قمت به منذ فترة. نظرت إلى نفسى فى المرآة فرأيت اثار العجز وتقدم العمر..والشعور بالضعف الجسمانى..وربما النفسى. قلت لنفسى..”شوية برد يعملوا فيك كده ياسومة ياعسل”.
نازعتنى نفسى فى ان أذهب وألبى الدعوة..شجعنى زوجى على الذهاب. حمدت ربنا على الأحمر والأبيض “اللى بيخلى الستات حلوة وصغيرة…والأهم بيخلينا نحس بالسعادة والثقة”.
“حطت فرشاه كده وفرشاة كده.” “وشوفت خاضار كثير وقليل..مش عارفة من غير المكياج أوالميك اب ازاى ممكن اواجه العالم”. لبست الفستان والحذاء العالى. اخذت دواء للطاقة حتى استطيع أن اصمد.
وصلنا إلى المكان الذى يبعد عنا ساعة وأربعون دقيقة. مكان جميل وجديد. المنظمون على الغداء كانوا فى غاية الود والذوق..أثنوا على المتطوعين الذين هم من جنسيات مختلفة مثل الهندية، المصرية، الباكستانية والأسبانية. قدموا لنا هدايا رمزية. قالوا أن العنف واحد..يحدث فى بلدان كثيرة مهما تعددت واختلفت لغتها.
المتطوعون ساهموا إما بوقتهم..بمعرفتهم..بمساندتهم لقضية القضاء على العنف الأسرى والتحرش الجنسى. كان دورى فى ترجمة الدليل الخاص بالأرشادات والمساعدات التى تقدمها الهيئة لدرء العنف ضد النساء.
حمدت الله على لغتنا العربية الجميلة لكى احول هذا الدليل من اللغة الأنجليزية إلى لغة الضاد ليتعلم منه من يتعلم.
نسيت البرد والام الصدر واوجاع المعدة وسط الإحساس بالتقدير والشعور بالقدرة على العطاء..حتى لو كان تطوعا.
كنت أجلس بجانبه.. الطفل ذو البشرة السمراء والشعر المجعد. جسمه يشى ببنيه قوية. دائم الحركة. دائم الكلام. قال فى فى عفوية “ميس سومة شايفة البنت دى، اللى لابسة شريطة بيضة فى شعرها، دى الجيرل فرند بتاعتى”. my girl friend.
نظرت إليه وقلت فين دى!! قال اللى قاعدة على الترابيزة الأمامية. أخذ يتململ فى مكانه. لاينتبه إلى طعامه. حثثته على الإلتفات إلى إفطاره. لكن قال لى” شوفى دى بتبصى لى إزاى”. قلت مداعبة, ولابتبص عليك ولا حاجة. ياريت تكمل إفطارك”. إغتاظ من كلامى وطلب من زميله أن ينتبه الى مايقوله. لكن زميله كان لاهيا عنه.
نعم—لم تكن الطفلة تنبته إليه على الأطلاق. كانت تضع كل وجهها فى طبقها وتتناول طعامها بتركيز.!!
إنصرفنا من قاعة الطعام وهو لازال ينظر إليها وهى لاهية عنه. ذهبنا إلى “الجيم” وبعد دقائق جاء طفل اخر صغير الحجم يبكى ويقول لى “بتقولى انى مش أحسن أصحابها”. كان يتحدث عن طفلة معه فى الفصل. صغيرة الحجم مثله. ذو عينان عسلى فاتح على غير العيون الزرقاء الموجوده هنا. شقية.. ذكية. قلت له “طب أنا حاسألها”. ناديت الطفلة وواجهته بها.. أنكرت.. وقالت “لا..هو من أحسن اصحابى. ” He is my best friend
ظل هذا الطفل يلهو مع هذه الطفلة وإذا حاول أحد أن يضايقها يذهب إلى نصرتها والدفاع عنها، مع إنها من الذكاء الفطرى فى الدفاع عن نفسها.
تذكرنى هذه الاحداث بالمراهقة الأولى التى يعيشها الإنسان. مراهقة له وهو طفل دون أن تتحدد مشاعره الحسية ناحية الجنس الأخر، والتى يتعرف عليها الإنسان عندما يدخل فى طور البلوغ والمراهقة الحقيقية.
تلقى هذه الأحداث البسيطة بظلالها على عقلية البنت وإحساس الولد. فمهما قيل عن ان النساء عاطفيه يستعملون إحساسهم اكثر من عقولهم. ارى غير ذلك. فالبنت بفطرتها تعرف مصلحتها. أستعمالها لعواطفها فيه الكثير من الذكاء. بعكس الولد الذى تسيطر عليه إحساسه الفطرية دون وعى منه. مجرد رأي!!
المجتمع لايعنف الطفل أو يتهمه على إحساسته الطبيعية التلقائية والتى قد تتفاوت من طفل لأخر. يتعامل معها بحرص واحتواء وتقبل. لذا لايجد اى من الجنسين غضاضة فى التعبير عن مشاعرهم بلا خوف او خجل.
نشجع الأطفال على عدم لمس بعضهم. نقول لهم “إجعل يديك لنفسك”. ” “Keep your hands for yourself” لأسباب صحية وسلوكية واخيرا عاطفية. الأطفال يلقون بأنفسهم إلى أحضان المدرسين، يرغبون فى بعض الدفء الذى قد يكونوا محرومين منه فى بيوتهم أو مع أسرهم.
من الحوادث التى حصلت ف هذا الأسبوع، تعرض طفلة إلى جرح قطعى فى ذقنها جراء إرتطامها بإحدى المقاعد. سال الدم من وجهها. إصطحبتها إلى الممرضة التى إتصلت بولى الأمر والذى حضر على الفور.
غابت الطفلة يومين عن المدرسة لتعود “زى القردة” وقد تم لصق الجرح القطعى فى ذقنها بلا خياطة – إستعمال غرز. لم تمض هذه الواقعة هكذا. ففور عودتها إلى الفصل قامت هذة “الزئردة” بمشاركة زملاءها الأطفال ماحدث لها. أخذوا يسألونها أسألتهم الساذجة. هل بكيت كثيرا؟ هل نزفت كثيرا؟ ماذا تشعرين الآن! وهكذا. ثم عقبت انا وزميلتى بأن ماحدث لها لأنها لم تتبع التلعليمات بالإبتعاد عن المقاعد وأن تلعب بعيدا عنهم حتى لاتتعرض لأى جرح أو إصابة.
لاحظت أن المدرسة تطلب من اولياء الأمور أن يساهموا ب 12 ساعة من وقتهم خلال العام الدراسى مع أطفالهم. تكون هذه المساهمة فى حضور أحد أنشطة المدرسة مع الطفل :حفلة كريسماس – يوم البيجاما – عيد الشكر:، أو القيام بالتبرع بالوقت او أى عمل يخدم به المدرسة.
هذه السياسة البسيطة فى مدرسة تعتبر فقيرة ونائية تهدف إلى دمج الأسرة مع المدرسة وتعاونهما من أجل مصلحة الصغير.
مهما ذهبت إلى مدارس ومهما تعاملت مع أطفال وزملاء، اجدنى أتعلم كل يوم شيئا جديدا. لكن تتفق كل المدارس على أن تكون المدرسة مؤسسة كاملة تهدف إلى التربية – السلوك الحميد – حب القراءة – الرياضة والتعليم والتعلم.
مع ذلك – وأنا أتفق معهم – فإن التعليم فى أمريكا بالفعل يلقى تراجعا للخلف. وأسمع شكاوى كثيرة فى هذا الصدظ. لكن هذا موضوع يطول فيه الحديث.
قضيت الأسبوع الأول بعد عودتى من أجازتى الجميلة فى مصر مع هؤلاء الأطفال. أرسلت لى زميلتى رسالة فى مصر تطلب منى أن أحل محلها لمدة أسبوع أثناء غيابها. قبلت الطلب حيث أعرف زميلتى والأطفال والمدرسة.
كان إختيارا موفقا – فبعد غياب ثمانى أسابيع ، إبتعد فيها ذهنك عن العمل.. بل عن عالمه تماما. إعتاد الجسم على فرق التوقيت وإختلاف الطعام. فيجب عندما تبدأ.. أن تبدأ على مهل.
الفصل 18 تلميذا – طفلا. تتراوح أعمارهم مابين الرابعة والخامسة. معظمهم إن لم يكن كلهم من أسر فقيرة.
يحضرهم ذووهم صباحا، ويوقعون بالحضور فى الثامنة إلا ربع صباحا..ثم ينصرفون. أصطحبهم أنا وزميلة أخرى الى قاعة الطعام لتناول وجبة الإفطار. يقف كل طفل فى الطابور ويأخذ صينية بها لبن – وجبن أو “سجق” مع قطع صغيرة من الفاكهة. يجلسون على الطاولة لتناول طعامهم الذى قد يستغرق حوالى نصف ساعة، يتحدثون، يتناوشون، قليلا مايأكلون. يضعون المتبقى من طعامهم فى سلة المهملات.
نصطحبهم بعدها إلى “الجيم” للعب واللهو، أو نضع لهم بعض الموسيقى المصحوبة بالمعلومات عن الأعداد أو الأرقام أو الأشكال.. ليرقصون عليها ويتابعونها. كنت أرقص معهم أحيانا حينما لا تؤلمنى “ركبتى” أو ألهو معهم حين تسمح الصحة.
نذهب الى دورات المياة – أراقب البنات وتراقب هى الأولاد فى دورة المياة المخصصة لكل منهما. فى الفصل قد أقرا لهم قصة، قد تضع زميلتى لهم موسيقى للرقص، قد ندعهم يلعبون “الأستغماية” ونشاهدهم ونضحك جميعا.
ينتقل الأطفال فيما بعد لمدة ساعة للعب فى أقسام الفصل المختلفة. يتناوبون الإنتقال من مكان إلى أخر داخل الفصل مثل اللعب ب “الصلصال”، بالمكعبات، . باللعب فى مكان مخصص لأدوات المطبخ، .. مكان مخصص كعيادة للطبيب،..”I pads”.، سبورة للكتابة عليها بالقلم الكبير.. ويقضون هذا الوقت فى اللعب بينما نلاحظهم أنا وزمليلتى وقد ألعب معهم أيضا.
لايخلوا الأمر من المناوشات بين الأطفال وبعض التزاحم على لعبة معينة، لكننا نقوم بفض الإشتباك سريعا أو حرمان من لايحترم قواعد اللعب بأن يجلس وحيدا.
نضع أغنية تدعو إلى ترتيب المكان إعلانا بموعد إنتهاء اللعب، فيقومون بترتيبه ووضع كل شئ فى مكانه وأنا أساعدهم بعض الشئ، ليصطفوا جميعا فى طابور الى قاعة الطعام لتناول الغداء. يمسك كل طفل صينة عليها لبن، بعض الفاكهة، قطعة من الدجاج أو مكرونة باللحم المفروم. يجلسون فى المكان المخصص لهم. ثم يقومون بإلقاء ماتبقى منهم فى سلة المهملات، وغالبا مايكون كثيرا بل كثيرا جدا.
نذهب للخارج للعب إذا كان الجو مشمسا أو نذهب الى “الجيم” للهو والجرى الحر نصف ساعة، لنذهب بعدها إلى دورة المياة إستعداد لأن ينام الأطفال على أسرتهم الصغيرة. كل طفل له سرير صغير وعليه إسمه والغطاء الخاص به. يتفرقون فى أنحاء الفصل لينامو مع موسيقى هادئة وتطفأ الأنوار.
غالبا “انا كمان” بنام على المقعد المخصص لى. ووقت الأيلولة “nap time” هو وقت مقدس للأطفال فى كل المدارس. قد يعجز الصغار عن النوم، لكنهم أبدا لايتركون أسرتهم. قذ يظلون يفركون فى الفراش، لكن الويل كل الويل من تسول له نفسه بعمل أى ضوضاء أو ضجيج. هى ساعة ونصف من الصمت الجميل التى يحتاجه الجميع خاصة الناس اللى زيى بيعشقوا النوم!!.
عند إضاءة النور يبدأ الأطفال فى الإستيقاظ ونقوم نحن بوضع الأسرة فى مكانها، ويتناول الأطفال بعض المقرمشات “”snacks التى يحضرونها معهم من البيت.
يصطف الأطفال فى طابور كل طفل يعرف رقمه والمكان الذى يقف فيه، إذا حاول أحد أن يقف فى مكان غير مكانه، لايتركه زميله أو زميلته وتعنفه المدرسة.
نذهب بالتلاميذ فى الثانية والربع ليأتى أولياء الأمور ويوقعون بالإستلام. أى طفل حدث منه او له او عليه أى شئ، نقوم بإخبار ولى أمره.
ينتهى اليوم الدراسى فى الثانية والنصف. تكرر ذلك بالظبط على مدى الأسبوع. لا مذاكرة..لا واجب..لا كتابة. المهم ان يعتاد الطفل على روتين بعينه..ان يتعلم النظام وان يبدأ الإعتياد الذهاب إلى المدرسة.
عشت مع الأطفال فى تلقائيتهم وعفويتهم وظلوا كل يوم يسألوننى “إسمك إيه”!! فى مداعبة منهم لى. عشقت الطريقة التى ينطقون بها إسمى، فضضت الكثير من مشكلاتهم الصغيرة، هدهدت بعضهم، أعطيتهم حلوى وأحتضنتهم، رغم أن ذلك ضد سياسة المدارس هنا. لكنهم!!
كانوا وقودا أشعل نشاطى لأسترد طاقتى وحماسى والعودة للعمل.. للحب.
حدثت عدة أحداث مع هؤلاء الصغار تنم عن طبيعة البشر عموما والأطفال خصوصا. أحكيها فى الجزء الثانى.
حضر سليم (سولى) حفيدى إلى عالمنا الصاخب فى تاريخ عبقرى10\2010/10/. كنت أتمنى أن أكون فى شرف إستقباله. لم يحدث. لكنه أضاء العالم بمقدمه.! أتم عامه العاشر فى العاشر من أكتوبر 2020.
عشرة أعوام هى عمره.. وعشرة أعوام هى عمر وجوده فى حياتى. فزت بلقب “جدة” أو “تيته” كما يحلو لى أن ينادينى به. لاأريده أن ينادينى بإسمى أو بأى لقب من الألقاب الحديثة.
عشرة أعوام مضت من عمرى تغيرت فيها حياتى بوجوده. وتبدلت حياته هو الأخر. تعددت بنا السبل، إختلفت بنا المقادير. لكن ظل “سليم” حفيدى حبا متفردا متميزا يعيش بين ضلوعى. لم تفرق معه المسافات. لم توثر فيه أوضاع إجتماعية فرضت عليه وعلى، دون أن يكون لنا نحن الإثنان يدا فيها. ظل الحب الذى ولد صغيرا بولادته.. يكبر وينمو. لايحفل بالعقبات، لايهتم بالمسافات، لا يبالى بالألقاب.. لا يعبأ بالقيود الإجتماعية.
حملته رضيعا.. رأيته وهو يضع خطواته الأولى على الأرض.. سمعت همهماته وهو يبدأ حروفه الأولى…رافقته فى يومه الأول فى المدرسة. أهديته أول كرة ليلعب بها. إصطحبته قدر إستطاعتى.. تعلمت فنون التأقلم..والتكيف من أجله. زرت محلات لعب الأطفال بعد عمر طويل لأبتاع له هديته. بحثت بإهتمام عن ملابسه الصغيرة. أعطانى أحلى الأوقات وأجمل الذكريات. إستردت معه طفولتى البعيدة. ظل يوم مولده.. يوما خاصا فى حياتى.. أحرص على الإحتفال به مهما كانت الظروف. .. وأشكر الله على نعمته وفضله.
فى عيد ميلاده العاشر، فزت بأحلى هدية.. حبه.. الكبير. ضمتنى يداه الصغيرتان فى دفء جميل أثير.. جعلنى أشعر أن الحب مثل “الزرع” يحتاج إلى الإهتمام والدأب والعطف والعطاء بلا حدود أو شروط لكى ينمو ويزهر.
أضاء عشر شمعات من عمره الصغير.. وأضاء معها حياتى بعفويته، تلقائيته وطفولته البارعة. يوم من عمرى أضيفه إلى “دفتر” أيامى لكى أعيشه.. وأتذكره.
أتمنى له عمرا مديدا.. رائعا وعشرات.. عشرات الأعوام التى تكون فى إنتظاره.. يسعد بها ويهنأ بها. ويملأ حياة كل من حوله بهجة ورضا.
لاأعلم إن كنت سأكون على ظهر الأرض بعد عشرة أعوام لأحتفل معه بعيده العشرين.. لكن أينما أكون أقول له:
كل عام وأنت بخير.. كل عام وأنت حبيبى.. كل عام وأنت حفيدى.
أثناء زيارتى لولاية كاليفورنيا، قضيت يومين فى شاطئ-مدينة سانت باربرا . الوقت كان جميلا.. الشاطئ كان لابأس به. كل شئ كان مرتبا.. نظيفا.. معدا بعناية. أردنا أن “نركب” دراجات فبحثنا على الأنترنت.. حجزنا.. دفعنا ثم ذهبنا لنأخذ الدراجات التى تحسب الوقت والدقيقة.. لو تأخرت على رد الدراجات إلى مكانها ـ تدفع غرامة.
تذكرت ذلك عند ذهابى هذا الأسبوع لزيارة مدينة/ شاطئ رأس البرحيث كل شئ سهل وبسيط. شارع مقفول خصيصا لإرتياد الدراجات. ممارسة رياضة المشى والإستمتاع بالشاطئ فى بساطة نحسد عليها. تغيرت مدينة رأس البر من مدينة فقيرة تشتهر “بالعشش” إلى مدينة وشاطئ ساحر.. مريح.. هادئ جميل. ليست فى فخامة مارينا وقرى الساحل لكن فى بساطة وجمال لجميع المستويات والطبقات. فيوجد فندق خمسة نجوم وتوجد فنادق أصغر لكن نظيفة ومريحة وتناسب الكل.
قضيت يوما رائعا فى بحيرة البرلس – ثانى اكبر البحيرات الطبيعية فى مصربعد بحيرة “المنزلة” وتقع فى محافظة كفر الشيخ. تبلغ مساحتها 460 كم مربع. زرت قرية “الشخلوبة “- وسط البحيرة. إحدى القرى التابعة لمركز سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ. يعود تسميتها بهذا الإسم إلى تجمع الأسماك تسمى “الشخلوب” تأتى من البحر المتوسط . وتستقر فى هذا المكان .تتمتع بشواطئ هادئة وبيئة خصبة. تشقها المراكب الخشبية الملونة التى يستقلها الصيادون فجر كل يوم. يعمل معظمهم بمهنة الصيد ومزارع الأسماك، وورش لصناعة مراكب الصيد. لاتوجد بالقرية أراضى زراعية.ويقيم فيها مايقرب من 15 الف نسمة. لايوجد بينهم عاطل واحد.
على ضفاف القرية تجد المراكب المتعددة والصيادين بطبيعتهم البسيطة يرحبون بالقادم إليها.
يقوم بعض الشباب الواعد بالترويج لمثل هذه الأماكن السياحية الغير معروفة فى مصر. أتصور أن الكثير منا يبحث عن الجمال “البكر” الذى لم تعبث به المدنية.، حيث يقصد “الشخلوبة” الكثير من السائحين. تناولت “أكلة سمك” طازجة بين الأصحاب والناس الحلوة. على جزيزة صغيرة داخل البرلس… الله.. ماأجمل مصر.. وشعبها.
شاهدت غروب الشمس فى مشهد رائع على البوغاز الذى يفصل البحر المتوسط بالنيل.. الماء المالح والماء العذب.. “بينهما برزخ لايلتقيان – صدق الله العظيم”.
فى المساء جلسنا على إحدى المقاهى.. الجو البارد المنعش.. الشاى بالنعناع الأخضر.. الإحتفال بأعياد الميلاد.. الباعة الذين يفدون إلينا ببضاعتهم..الأحاديث البسيطة.. الصغيرة.. الضحكات والقرقعات.. ياله من جو ومن صحبة!.
إفتقدت مثل هذه المشاعر.. وهذه الأوقات.. لا أدعى.. أنى سائحة فى بلدى.. لكنى مصرية حتى النخاع.. تكتشف جديداو جميلا كل يوم فى “المحروسة”.
أحببت رحلتى لرأس البر.. سعدت بالوقت مع الناس الحلوة.. تعرفت على وجوه جديدة.. أنست بأصحابى ورقتهم.. وطيبة قلبهم وحرصهم على جزاهم الله كل خير.
دائما وأبدا لدى مشاكل مع زوجة الحارس “مراة البواب”. لاأعلم بالظبط الأسباب.. لكنى دائما عندى مشكلات فى التعامل معها..
أحصل على أعلى الدرجات فى التقييم السنوى فى عملى فى التعامل مع الأخرين interpersonal skills. على “زيرو” فى التعامل مع من على شاكلتها.
عندما كنت شابة، كانت تكيد لى. مثلا تمنعنى من ركوب المصعد بحجة أن المفتاح مع زوجها، أو لاتستيجيب لأى طلب من طلباتى، تختفى طوال اليوم أبحث عنها لتساعدنى..فلاأجدها.
فى أمريكا لايوجد حارس أو زوجته. البيوت الكبيرة يمتلكها أصحابها. لديهم شركات أمن للحراسة. أما الأبنية الكبيرة فتغلق البوابة الكبيرة. كل ساكن لديه الرقم السرى للدخول والخروج.
لا “بواب” يغسل السيارات أو زوجة تحضر الطلبات من الخارج ، أو تأتى لتنيظيف البيت. كل فرد يعمل حاجته بنفسه.
بالنسبة لتنظيف البيوت يكون بالساعة ومحدد ماذا ستقوم “العاملة” بعمله. إذا أردت منها شيئا غير المعتاد فى التنظيف يجب أن تدفع لها مبلغا إضافيا. التعامل مريح.. لكن مكلف. لمثل هذه العمالة ليست متوفرة . الناس معتادة تعمل أعمالها المنزلية وغير المنزليه بنفسها. إلى جانب أن البيوت سهلة التنظيف.. خالية من “الكراكيب” المصرية. الذهاب والمجئ إلى أماكن التبضع “supermarkets” سهلا يسيرا ومتاحا على مدار اليوم.
قررت هذا العام الا أدخل فى أى مشاحنات..مجادلات مع زوجة حارس العمارة. الشابة الأتية من الريف. ترتدى خمارا أسودا. تغطى كامل وجهها. لايظهر منها سوى عينين. تبدو كشبح أسود. تتمتع بذكاء ريفى فطرى.. يجعلها سريعة البديهة.. سريعة الرد. لمحتها مرة او إثنين بدون الغطاء الأسود الكثيف. شابة ريفية مليحة فى نهاية العشرينيات من العمر.
نصحنى بعض السكان بعدم التعامل معها نهائيا. لكنى فى أجازة..أريد الحياة تسير بسهولة ويسر. واليوم ينقضى دون العناء مع التنظيف وشراء المشتريات البسيطة. لذلك نجنبا لكل المشكلات.. قررت أن أستعين بها فى أقل الحدود..أن أغدق عليها. لاأهتم بأسعار الأشياء أو سؤالها.. المهم أنها توفر على العناء
كل شئ كان يسير سلسلا. فى يوم الجمعة الماضية نقرت الباب تسأل إن كنت أريد شيئا. طلبت منها اشياءا بسيطة . قلت لها “أريدهم سريعا – إذا سمحت. قالت أنا ذاهبة الأن للتو.
مضت ساعتان.. ولم تأت. نعم ساعتان بالتمام. عندم حضرت..كدت أشيط منها غضبا. كلمتها بغضب وأرفض كل هذا التأخير. إحتدت فى الكلام على وقالت لى بلغة قاطعة “خلص الكلام ياأم رامى – مش حاجيب لك حاجة تانى”.
ياربى.. لم أتوقع كل هذه البذاءة والوقاحة. تركتها ليتعامل زوجى مع من على شاكلتها. أغلقت الباب على نفسى.. أعيش فى حالة غضب وهياج من هذه الشابة الوقحة.. ناكرة الجميل.. الجاحدة. اسأل نفسى ماسبب كل هذا الغل الذى تحمله لى!! طوال شهر.. مدة إقامتى فى مصر لم أبخل عليها بشئ.. لم أطالبها إلا بأقل القليل.
أتعجب ماهى الطريقة المثالية فى التعامل مع من على شاكلتها!! لماذا دائما وأبدا لدى مشكلات مع أمثالها!! هل العيب فى! فيهم!! فى المجتمع!! فى من!!
ظلت حالة القتامة التى سببتها لى تسيطر على وتفسد على مزاجى لفترة طويلة. تذكرت أن كبار السن يغضبن سريعا.. ويتألمن بسرعة.. ويشعرن بالحزن والجحود من الكثيرين. فهل أنا حقا أدخل مرحلة الشيخوخة.. أم دخلتها..وأعيشها!!..لا ينفع معها “قصة الشعر الشبابى’ أو الغرة التى فى المقدمة.. والملابس الكاجوال.. الإستماتة فى القضاء على البدانة! هل أنا شابة شكلا.. لكنى عجوزة روحا ونفسا!! ربما!!
ولماذا أدرت دفة الحوار إلى كل هذا! لماذا لاأعتبرها حادثة عابرة قد تحدث مع أى أحد..وأترك الموضوع وأنساه. ففى الأول والأخر.. هى صغيرة..جاهلة تحكمها موروثات ومعتقدات لاشأن لى بها!!
عشت فى حيرة وتساؤل من حادثة قد تبدو تافهة للبعض.. لكنها وضعت علامة إستفهام داخلى لازالت تحتاج إلى إجابة!!
فى كل مرة أعود من اجازتى الجميلة الطويلة فى مصر لاأشعر بأى رغبة فى إستئناف حياتى فى أمريكا. لاتتملكنى الرغبة فى العودة للعمل او الإقبال عليه. أمضى اياما فى البيت معللة لنفسى تعب الرحلة. عناء السفر ومايتبع كل ذلك.
أقول لنفسى ” عايد عليك ايه ياسومة م التعب ده كله. تفضى شنط..وتملى شنط. تنضفى بيت..وتفتحى آخر. تغسلى ثلاجة وتغلقى اخرى. تسافرى بالأميال وبساعات تتخطى ال 20 ساعة. اللى ف سنك قفل النمر من زمان”.
تظل هذه هى حالتى..ولو حدث وذهبت إلى المدرسة..اقدم رجلا وأاؤخر الأخرى.
هذه المرة..كان الأمر مختلفا!!
إرتاحت يوما من عناء السفر والرحلة الطويلة. ثم ذهبت إلى العمل..المدرسة. إرتديت ملابسا أنيقة. ذهبت مبكرة عن المعتاد. وبدأت يومى وكلى نشاط وحماس. كأن الشمس تشرق داخلى!!
تساءلت..لماذا!! هل لأنى أمضيت خمسة أشهر بلا عمل من جراء كورونا! هل لأنى اخذت أجازة طويلة فى مصر تقترب من الشهرين بعد أن بدأت الدراسة وفى “عز الشغل”! هل لان المرضى من المدرسين كثيرون!! والإحتياج إلى المدرسين الأخرين أكثر! هل لانه لم يطلب منى الحجر الصحى بعد عودتى من الشرق الأوسط الذى يعج بكورونا وأمريكا التى تتبوأ الصدارة فى الفيروس!
لااعلم.. لكن الذى أعرفه أن طاقة من الأمل تفتحت داخلى. رأيت التلاميذ وكل طاقم المدرسة يضع الماسك اللعين على وجهه. يتناوولون أطعمتهم داخل الفصل. يمارسون حصة التربية الرياضية فى الفناء الخارجى. المدرس الذى يصاب بكورونا يجلس فى البيت ١٤ يوم وكذلك من يعيش معه فى البيت. لاعجب أن الكثير من المعلمين متغيبون لسبب او لآخر.
مع ذلك يرتدى الناس أحلى ماعندهم. ويضعون مع ذلك “الماسك” يستعدون لمواسم الأعياد. أعياد الشكر والكريسماس. أعياد الخير والبركات…
إنه الأنسان الذى يرفض أن يخضع للمرض. للكسل..يرفض الموت. إعدوى حب الحياة التى طالتنى أنا الأخرى..ودفعتنى إلى الخروج والعمل.
تطلب مصر من كل القادمين إليها عمل تحليل\إختبار الكورونا ويطلق عليه PCR – قبل أن تسمح لهم بالدخول إلى أراضيها. تشترط أن يكون مضى 72 ساعة من تاريخ بداية التحليل ثم إرتفعت إلى 96 ساعة بالنسبة لعدة دول بما فيهم أمريكا ودولا أخرى بسبب طول المسافات. يجب أن يتم فى احدى المعامل الطبية الموثوق بها، وأن يكون مختوما stamped.!!
تقوم الدول الأجنبية والعربية بتنفيذ هذا القرار وتحرى الدقة المفرطة فى عدد الساعات والإلتزام بتنفيذه. قد تحيل حياة المسافرين إلى جحيم إذا لم يتم الألتزام بهذه القرارات بحذافيرها.
لكنك عندما تصل إلى مطار القاهره.. لايحفل أحد بهذا الإختبار. لاينظر إلى عدد الساعات. لايتبين مصداقيته.. فهو مكتوب باللغة الإنجليزية التى لايجيدها معظم العاملين. لايهتم أحد إن كنت ترتدي “ماسكا” أم لا!! قد تقاس درجة حرارتك أم لا!
لاأقلل من شأن السلطات أو أستخف بالعاملين .. لكنه واقع موجوود أكتب عنه. كنت وغيرى ضحايا لهذا القرار د.
أمريكا لاتطلب منك إى إختبار للمرور أو الإقامة فى أراضيها. لاحتى تقيس درجة حرارتك. لكن تصر أن ترتدى الماسك اللعين والأيفارق أنفك طوال ساعات السفر وأثناء لإاجراءات. لاعجب!! فهى أكثر دول العالم فى أعداد الإصابات والوفيات من كورونا!!
لكن قد تكون أمريكا أكثر توافقا وصراحة مع نفسها دون مصر!!
ليس هذا تحيزا على الإطلاق – إنما هو إقرار لحقائق ووقائع وعالم أعيشه بين البلدين الحبيبين.
فى أمريكا يجب أن يرتدى الجميع الماسك اللعين على الوجه. فى المدارس..فى الشوارع، فى المحال التجارية.. أماكن التسوق.
من يشعر بأى أعراض “الست كورونا” يقوم بإخبار الجهة التى يعمل بها ليقوم بعمل حجر صحى له فى بيته وكذا أ فراد أسرته المقربين منه، يجب أن يتوقفوا عن الذهاب للعمل، مع توخى الحذر وتناول الأدوية المساعدة. لاخجل أو مواربة فى ذلك.
عادى أن أذهب إلى المدرسة ليخبرنى المعلم هاتفيا أنه ليس مريضا ولكن زوجته.. ويجب أن يلتزم بالحجر الصحى ولايأتى إلى المدرسة حتى لايكون حاملا للميكروب أو العدوى للتلاميذ.
يأخذ الناس هنا حقنة ألأنفلونزا مجانا والبعض يأخذ حقنة ضد الإلتهاب الرئوى يظل مفعولها خمسة أعوام بتوصية من الطبيب المباشر.
تشعر فى أمريكا أن فى كورونا ولا كورونا فى نفس الوقت. فالناس تذهب أعمالها.. المدارس تعمل.. البعض يذهب للتسوق، الإحتفال بالأعياد.. لكنه يراعى كل إجراءات السلامة والوقاية قدر المستطاع.
أما فى مصر التى تطلب هذا الإختبار.. فقد نسيت تماما أثناء أجازتى أن فى شئ إسمه “الست كورونا” لاأحد يرتدى ماسكا.. وإن كان بالعدد قليل جدا.. ويثير الأنتباه. الحفلات.. الدعوات.. الاندية.. اللقاءات.. الأفراح.. كل هذا الوقت الجميل الذى عشته فى مصر دون أن أتذكر كورونا.. بل الحفاوة والحب والأحضان الحارة التى قدمها لى أصدقائى وأهلى جعلنى أقول” هى فين كورونا دى!!” مصر بلا كورونا.. إنها أكذوبة. فلاأثر لكورونا فى مصر.
تعيش وتحيا وتحب الحياة فى مصر.. لا كورونا. إلا أذا كنت ذاهبا إلى البنك الذى يحول حياتك جحيما فقط لكى تدخل وأنت ترتدى الماسك.!!كأنك داخل أبواب الجنة.. وماإن تدخل قد لاترى العاملين فى الداخل يضعونه!!
المدارس لاتعمل فى مصر..بحجة كورونا!! وإن عملت فليس بكامل طاقتها. والأولاد يأخذون دروسا خصوصا.. يكون الدرس الخصوص 15 تلميذا.. لايرتدون كمامات!! إنه العبث بعينه!!
لو كنت فى مصر وتسافر إلى بعض الدول العربية أوالإفريقية التى تطلب مثل هذا الإختبار.. فعليلك أن تدفع 2500 جنيها للتحليل العادى و3500 للمستعجل!! رأيت شبابا يقفون فى طوابير لعمل مثل هذا الإختبار الغالى التكاليف على جميع المستويات!
هل كورونا فى أمريكا!! هل موجودة فى مصر!! هل حق أم أكذوبة قدمتها الدول لشعوبها لتعطى لنفسها الحق فى صنع عقار مضاد تدفع ثمنه الدول الأخرى بالملايين. هل باعوا لنا الوهم.. وعبوا لنا الهواء فى “أزايز” كما يقولون !!
ليس عتابا على مصر.. ليس تحيزا لأمريكا… لكنه الواقع الذى نعيشه فى هذا العام الكبيس 2020 يكون فيه الفرد ضحية لأكاذيب الحكومات، تناقضاتها وعبثها!