الجزء الأول
قضيت الأسبوع الأول بعد عودتى من أجازتى الجميلة فى مصر مع هؤلاء الأطفال. أرسلت لى زميلتى رسالة فى مصر تطلب منى أن أحل محلها لمدة أسبوع أثناء غيابها. قبلت الطلب حيث أعرف زميلتى والأطفال والمدرسة.
كان إختيارا موفقا – فبعد غياب ثمانى أسابيع ، إبتعد فيها ذهنك عن العمل.. بل عن عالمه تماما. إعتاد الجسم على فرق التوقيت وإختلاف الطعام. فيجب عندما تبدأ.. أن تبدأ على مهل.
الفصل 18 تلميذا – طفلا. تتراوح أعمارهم مابين الرابعة والخامسة. معظمهم إن لم يكن كلهم من أسر فقيرة.
يحضرهم ذووهم صباحا، ويوقعون بالحضور فى الثامنة إلا ربع صباحا..ثم ينصرفون. أصطحبهم أنا وزميلة أخرى الى قاعة الطعام لتناول وجبة الإفطار. يقف كل طفل فى الطابور ويأخذ صينية بها لبن – وجبن أو “سجق” مع قطع صغيرة من الفاكهة. يجلسون على الطاولة لتناول طعامهم الذى قد يستغرق حوالى نصف ساعة، يتحدثون، يتناوشون، قليلا مايأكلون. يضعون المتبقى من طعامهم فى سلة المهملات.
نصطحبهم بعدها إلى “الجيم” للعب واللهو، أو نضع لهم بعض الموسيقى المصحوبة بالمعلومات عن الأعداد أو الأرقام أو الأشكال.. ليرقصون عليها ويتابعونها. كنت أرقص معهم أحيانا حينما لا تؤلمنى “ركبتى” أو ألهو معهم حين تسمح الصحة.
نذهب الى دورات المياة – أراقب البنات وتراقب هى الأولاد فى دورة المياة المخصصة لكل منهما.
فى الفصل قد أقرا لهم قصة، قد تضع زميلتى لهم موسيقى للرقص، قد ندعهم يلعبون “الأستغماية” ونشاهدهم ونضحك جميعا.
ينتقل الأطفال فيما بعد لمدة ساعة للعب فى أقسام الفصل المختلفة. يتناوبون الإنتقال من مكان إلى أخر داخل الفصل مثل اللعب ب “الصلصال”، بالمكعبات، . باللعب فى مكان مخصص لأدوات المطبخ، .. مكان مخصص كعيادة للطبيب،..”I pads”.، سبورة للكتابة عليها بالقلم الكبير.. ويقضون هذا الوقت فى اللعب بينما نلاحظهم أنا وزمليلتى وقد ألعب معهم أيضا.
لايخلوا الأمر من المناوشات بين الأطفال وبعض التزاحم على لعبة معينة، لكننا نقوم بفض الإشتباك سريعا أو حرمان من لايحترم قواعد اللعب بأن يجلس وحيدا.
نضع أغنية تدعو إلى ترتيب المكان إعلانا بموعد إنتهاء اللعب، فيقومون بترتيبه ووضع كل شئ فى مكانه وأنا أساعدهم بعض الشئ، ليصطفوا جميعا فى طابور الى قاعة الطعام لتناول الغداء. يمسك كل طفل صينة عليها لبن، بعض الفاكهة، قطعة من الدجاج أو مكرونة باللحم المفروم. يجلسون فى المكان المخصص لهم. ثم يقومون بإلقاء ماتبقى منهم فى سلة المهملات، وغالبا مايكون كثيرا بل كثيرا جدا.
نذهب للخارج للعب إذا كان الجو مشمسا أو نذهب الى “الجيم” للهو والجرى الحر نصف ساعة، لنذهب بعدها إلى دورة المياة إستعداد لأن ينام الأطفال على أسرتهم الصغيرة. كل طفل له سرير صغير وعليه إسمه والغطاء الخاص به. يتفرقون فى أنحاء الفصل لينامو مع موسيقى هادئة وتطفأ الأنوار.
غالبا “انا كمان” بنام على المقعد المخصص لى. ووقت الأيلولة “nap time” هو وقت مقدس للأطفال فى كل المدارس. قد يعجز الصغار عن النوم، لكنهم أبدا لايتركون أسرتهم. قذ يظلون يفركون فى الفراش، لكن الويل كل الويل من تسول له نفسه بعمل أى ضوضاء أو ضجيج. هى ساعة ونصف من الصمت الجميل التى يحتاجه الجميع خاصة الناس اللى زيى بيعشقوا النوم!!.
عند إضاءة النور يبدأ الأطفال فى الإستيقاظ ونقوم نحن بوضع الأسرة فى مكانها، ويتناول الأطفال بعض المقرمشات “”snacks التى يحضرونها معهم من البيت.
يصطف الأطفال فى طابور كل طفل يعرف رقمه والمكان الذى يقف فيه، إذا حاول أحد أن يقف فى مكان غير مكانه، لايتركه زميله أو زميلته وتعنفه المدرسة.
نذهب بالتلاميذ فى الثانية والربع ليأتى أولياء الأمور ويوقعون بالإستلام. أى طفل حدث منه او له او عليه أى شئ، نقوم بإخبار ولى أمره.
ينتهى اليوم الدراسى فى الثانية والنصف. تكرر ذلك بالظبط على مدى الأسبوع. لا مذاكرة..لا واجب..لا كتابة. المهم ان يعتاد الطفل على روتين بعينه..ان يتعلم النظام وان يبدأ الإعتياد الذهاب إلى المدرسة.
عشت مع الأطفال فى تلقائيتهم وعفويتهم وظلوا كل يوم يسألوننى “إسمك إيه”!! فى مداعبة منهم لى. عشقت الطريقة التى ينطقون بها إسمى، فضضت الكثير من مشكلاتهم الصغيرة، هدهدت بعضهم، أعطيتهم حلوى وأحتضنتهم، رغم أن ذلك ضد سياسة المدارس هنا. لكنهم!!
كانوا وقودا أشعل نشاطى لأسترد طاقتى وحماسى والعودة للعمل.. للحب.
حدثت عدة أحداث مع هؤلاء الصغار تنم عن طبيعة البشر عموما والأطفال خصوصا. أحكيها فى الجزء الثانى.